مليارديرات التكنولوجيا: عسكرة المدن الأمريكية وسيطرة البيانات

 





في مشهد يتسم بالتطور التكنولوجي المتسارع، يبرز دور مليارديرات التكنولوجيا بشكل متزايد ليس فقط كقادة للابتكار، بل كقوة تشكل النسيج الاجتماعي والأمني للمدن الأمريكية. يشير مصطلح "عسكرة المدن الأمريكية" في هذا السياق إلى التغلغل العميق لتقنيات المراقبة والأمن المتقدمة، المدعومة والممولة في كثير من الأحيان من قبل عمالقة التكنولوجيا وأثرى الأثرياء في القطاع، مما يثير تساؤلات جدية حول الخصوصية، الحريات المدنية، وتوزيع السلطة.

دور عمالقة التكنولوجيا في الأمن والمراقبة:

لم تعد شركات التكنولوجيا الكبرى (مثل تلك التي يقودها أصحاب المليارات) مجرد موردين للأجهزة والبرمجيات، بل أصبحت شركاء رئيسيين في تصميم البنية التحتية الأمنية للمدن. ويشمل ذلك:

  1. أنظمة المراقبة المتقدمة: من كاميرات التعرف على الوجه ونظام تحليل الفيديو المدعوم بالذكاء الاصطناعي، إلى أجهزة الاستشعار التي تجمع البيانات الضخمة (Big Data) من الشوارع والأماكن العامة. تساهم هذه التقنيات، التي تتبناها الشرطة والبلديات، في "عسكرة" الوجود الأمني الرقمي.

  2. التعاون مع المؤسسات الأمنية: هناك شراكات مثيرة للجدل، مثل "مشروع مافن" (Project Maven) لوزارة الدفاع الأمريكية الذي استخدم الذكاء الاصطناعي من "جوجل" لتحليل لقطات الطائرات المسيرة، مما يوضح مدى تداخل القطاع الخاص التكنولوجي مع المجمع العسكري-الصناعي والأمني.

  3. تطبيقات تتبع الموقع والبيانات الشخصية: تجمع منصات وخدمات التكنولوجيا كميات هائلة من بيانات المستخدمين، والتي يمكن أن تُستخدم - أو تُطلب للاستخدام - في عمليات المراقبة والتحليل الأمني، مما يعطي شركات التكنولوجيا قوة غير مسبوقة.

الآثار السلبية لعسكرة المدن التكنولوجية:

إن هذا التوجه له تداعيات خطيرة على المجتمع المدني:

  • انتهاك الخصوصية: التحول إلى مدن ذكية مغطاة بشبكات المراقبة يجعل من الصعب الحفاظ على الخصوصية في الأماكن العامة.

  • التحيز والخوارزميات المتحيزة: أظهرت بعض الخوارزميات المستخدمة في التعرف على الوجه ونظام التنبؤ بالجريمة تحيزاً عرقياً وجغرافياً، مما قد يؤدي إلى استهداف غير عادل لمجتمعات معينة.

  • السيطرة على المعلومات: يمتلك مليارديرات التكنولوجيا وشركاتهم مفتاح التحكم في تدفق المعلومات وتحليل البيانات التي تشكل أساس القرارات الأمنية والمدنية.

الخلاصة:

تجسد ظاهرة عسكرة المدن الأمريكية من قبل مليارديرات التكنولوجيا صراعاً حديثاً بين الابتكار والسيطرة. وفي حين أن التقنيات المتقدمة يمكن أن تساهم في الأمن، فإن تركيز هذه القوة في أيدي قلة قليلة من الأفراد والشركات يهدد المبادئ الديمقراطية والحريات المدنية الأساسية. تتطلب هذه المسألة رقابة مجتمعية وتشريعات صارمة لضمان استخدام هذه القوة التكنولوجية لخدمة المصلحة العامة وليس لتكريس المراقبة والسيطرة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم